لا شك أن التعبير عن مساحة المنزل المناسبة هو بالأساس تعبيرًا ضمنيًا عن شعوريّ الراحة والسعادة اللتين تخلفهما المساحة المكانية في نفوس المُقيمين فيها.
واحدة من إثباتات هذه القاعدة الاختلافات الواضحة في إجابات أصحاب الشريحة المُجتمعية الواحدة عن مساحة المنزل المناسبة حيث إن الردود تتباين في مُجملها إلى حد التضاد وفق ما يراه كل فرد من دور المساحة في الشعور بالسعادة.
ارتباط السعادة بالمساحة
في تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC على موقعها الإلكتروني العربي في الثامن من أكتوبر للعام 2019م خلص باحثون من جامعة بريغام يونغ بولاية أوتاوا الأمريكية إلى وجود ارتباط حقيقي بين السعادة المُطلقة واتساع المنزل.
وقد عكف هؤلاء الباحثون على مُراقبة العلاقة الأسرية بين أفراد 164 أسرة من طبقات دخل شهري مُختلف؛ فظهر أثر زيادة مساحة الخصوصية لكل فرد على حِدة في حُسن تعامله مع باقي أفراد الأسرة وإقباله على الحياة، في حين أظهرت الدراسة سوء الواقع المعيشي والعلاقات المُتبادلة بين أفراد الأسرة الواحدة التي تسكُن في مساحات ضيقة تقل معها المساحة المكانية المُخصصة لكل فرد فيها.
وحقيقة، فإنه قبل هذه الدراسة بألف عام أكد النبي (صلى الله عليه وسلم) على هذا المفهوم، ففي الحديث الذي رواه أحمد عن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع”.
الدوافع العملية لشراء منزل كبير
بعيدًا عن الارتباط المثبت بين مساحة المنزل المناسبة وبين الشعور بالسعادة الذي هو نسبي بالأساس ما الذي يمكن أن يدفع الإنسان إلى شراء منزل واسع؟!
التضاد في التعبير عن مساحة المنزل المناسبة القادرة على خلق الإحساس بالسعادة يُقابله تضاد مُماثل في التعبير عن الدوافع العملية لشراء منزل كبير، ولكن بالمُجمل نجد أن السعي وراء توفير خدمات ومرافق مُستقلة وخاصة هو المعيار الأهم والدافع الأبرز في تحديد مساحة المنزل المناسبة
فالجميع يترقب في منزل العمر توفيره لحديقة مُستقلة أو مساحة مثالية تُخصص للعب الأطفال أو ممرات تسمح بمجال للتريّض والتنزه أو توفر مسبح … إلخ.
وعلى الرغم من الرفاهية المُطلقة التي تُعزز وجودها مثل هذه المرافق في المنزل إلا أن الأثر الاجتماعي الذي تُخلفه سلبي بعض الشيء، حيث إنها ستصبح مدعاة لانعزال كل أسرة بنفسها ومُمارسة كافة أنشطتها مُنفردة، وهو ما يُعزز التفسخ الاجتماعي بين أبناء الحي الواحد، فالمدينة الواحدة، فالدولة الواحدة .. وهكذا دواليك.
مزايا وعيوب المنزل الكبير
مما سبق يتجلى لنا وجهيّ العملة المُعبر أحدهما عن مزايا اعتبار مساحة المنزل المناسبة هي الكبيرة الشاسعة في حين يعبر الآخر عن عيوبها، وإن اعتبرنا أن مساحة المنزل كبيرة بحدود لا معقولة فإن الأمر له تبعات اقتصادية عامة وشخصية.
مزايا وعيوب على الصعيد الشخصي
نجد أن التكلفة المالية لشراء أو بناء منزل كبير ثم التكلفة المالية الناجمة عن استخدام هذا المنزل الكبير ضخمة لا محالة، حيث مُستقبلًا ستظهر بنود للمصروفات غير المرنة والعديمة السيطرة، فمنزل أكبر يعني تكاليف صيانة أكبر، فواتير استهلاكية للماء والكهرباء والغاز أغلى، مدفوعات نقدية في الفرش والتأثيث أضخم.
من هذا المُنطلق يصبح اختيار منزل مساحة 300 متر أو منزل مساحة 250 متر في حي مُتكامل الخدمات والمرافق كالحدائق وملاعب الأطفال والمُتنزهات أجدر وكافي من منزل مساحته 700 متر في حي معدوم الخدمات والمرافق.
والأمر ليس مقتصرًا على المنزل بذاته، فحتى ولو كانت الأراضي في الحي المُكتمل الخدمات أغلى من الأراضي في الحي معدوم الخدمات سيكون ذلك بالمُجمل أوفر لك، فبالمقارنة نجد أن شراء أرض في حي ضعيف المرافق بمساحة 700م2 بتكلفة 1000 ريال للمتر المربع أي 700 ألف ريال مُقارنةً بشراء أرض 350م2 فقط في حي مُكتمل الخدمات والمرافق يُقدّم لك نفس الوظيفة بـ 1500 ريال للمتر بتكلفة إجمالية 525 ألف ريال فقط، ولأن الحي المكتمل الخدمات والمصمم بشكل جيد سيوفر لك أماكن للمشي ولعب الأطفال وحدائق والاعتناء بالتشجير في الحي ومجالس للتجمعات وغيرها الكثير ، التي ستغنيك عن مساحة كبيرة كنت ستضطر اضافتها لمنزلك لتوفير هذه الخدمات داخله.
وتعد احياء الجبيل الصناعية مثال يحتذى به للتصميم الحضري والاهتمام بالتشجير.
من زاوية أخرى قد تمثل مساحة المنزل المناسبة في الوقت الحاضر عبئًا ثقيلًا في الغد القريب، حيث أن منزل لعائلة من 6 أفراد اليوم قد يكون منزل لفردين بعد سنوات معدودة.
فلا شك أن بناء منزل يشتمل على كل ما يحتاجه الأبناء شيء جميل ومن الأولويات الخاصة في ثقافة العرب، ولكن بعد بضع سنوات سيخرج الأبناء لبيوتهم الخاصة وسيصبح المنزل فارغًا.
إذًا، عند تحديد مساحة المنزل المناسبة الآن لابُد من الأخذ في الاعتبار القُدرة على إعادة تشكيل هذه المساحة مستقبلًا كي تمثل عدة وحدات سكنية مُنفصلة، مثل ترك مساحة من الأرض كحوش للمنزل بهدف بنائها عند الحاجة، أو دراسة التقسيم الداخلي بشكل جيد للمقدرة على إعادة تشكيله بعد فترة ليكون قادرًا على استيعاب أسرتك وأُسر أبنائك.
مزايا وعيوب على الصعيد العام
إن اختيار مساحة منزل كبيرة ذو أبعاد سلبية لا تقتصر على التكلفة المُباشرة لشراء المنزل، بل إن هُناك تكاليف غير مُباشرة على المال العام والمدينة والمجتمع.
فزيادة مساحة المنازل تعني زيادة مساحة الحي بالمُجمل، وهذا يؤدي إلى تباعد المنازل وبُعد المتاجر والخدمات عن المنزل مما يضطرنا إلى استخدام السيارة وحرق المزيد من الوقود، وهو ما يعني حرق موردنا الطبيعي الوحيد والعمود الفقري لاقتصاد المملكة.
كما يؤدي أيضًا إلى تكلفة أعلى بكثير في أعمال البنية التحتية لتضاعف حجم الحي، كما أن زيادة حجم الأحياء يعني توسع المدن وابتعاد أطرافها مما يزيد من وقت رحلة العمل أو رحلة المدرسة.
مرتكزات الحصول على مساحة المنزل المناسبة
كل ما سبق لا ينفي أهمية اختيار مساحة المنزل المناسبة ولا يطعن في مُحبي المساحات الكبيرة، ولكنه يحدد إطارًا عامًا للاختيار مفاده أن مساحة المنزل المناسبة أمر نسبي وليس مُطلق، كما تُحدده معايير ومُقومات ثقافية واجتماعية وهندسية.
هُنا تظهر مجموعة من المُرتكزات التي يمكن الارتكاز عليها في تغيير الصورة النمطية المُقرة بأن مساحة المنزل المناسبة هي الشاسعة، منها:
مصمم جيد يُغنيك عن مساحة أكبر
ظهرت مؤخرًا نماذج منازل بمساحات صغيرة، ولكن عند اتباعك التصميم الجيد وإتقان تقسيم مساحة المنزل تشعر فيها بالرحابة والاتساع، ويرجع ذلك إلى المُصمم واحترافيته في استغلال المساحات، فلا تبخل في اختيار مُصمم مُكلف بعض الشيء؛ فإنفاق عدة آلاف على التصميم المُتميّز قد توفر عليك عشرات أو مئات الآلاف التي ستُنفقها على مساحات واسعة بلا فائدة.
اشتراطات جديدة تساعد في مساحة منزل أصغر
كانت الاشتراطات القديمة للبناء تُلزم بارتدادات من كل الجوانب للبناء، وهذا ما يضيع الكثير من مساحة الأرض، بينما الاشتراطات الجديدة للبناء من وزارة الشؤون البلدية والقروية تسمح بالاستفادة من ارتدادين من أصل ثلاثة ارتدادات عكس الاشتراطات السابقة، وهذه صور توضح الاشتراطات الجديدة.
لا مانع من التغيير
إن كُنت في بداية حياتك تسعى إلى تأسيس منزل الزوجية، فليس هُناك مانعًا من شراء منزل صغير واستبداله مُستقبلًا بمنزل أكبر حين تكبر أسرتك، مع الاستفادة خلال هذه المدة من فارق السعر واستثماره، وارتفاع سعر منزلك السابق عند البيع إذا تم اختياره بعناية، مما سيُزيد رأس مالك لاختيار منزلك التالي، ويوفر لك رفاهية التغيير.
العادات والتقاليد
نحن نتكئ على العادات والتقاليد كمرجعية للتفاخر والتباهي، لذا يجب الحذر من أن تؤثر علينا سلبيًا، فقد أشارت دراسة احصائية قام بها المهندس عبد الله ال بشر على 400 عائلة سعودية يستقبلون ضيوفهم 7 مرات بالسنة بالمتوسط، أي 2% من أيام السنة، وتكون المجالس بالعادة تُمثل مساحة كبيرة من المنزل وتكون في أجمل مكان فيه، فلا تهمش نفسك وأسرتك لأجل 2% من أيام السنة.